حين خذلني الجميع... ووقفت وحدي

 







تعريف✓✓

كل إنسانٍ يحمل في داخله حكاية لا تشبه غيره؛
حكاية فيها سقوط وقيام، حب وخيانة، وجع وأمل.
هذه القصة ليست مجرد رواية عن رجلٍ فشل ثم نجح،
بل عن روحٍ كسرتها الحياة لتعيد بناءها على ضوء الصبر والإيمان بالقدر.


الجزء الأول: الهاوية

كان المطر يتساقط بغزارة تلك الليلة، كأنه يغسل الشوارع من خطاياها... لكنه لم يغسل شيئًا من داخلي.
جلست وحيدًا على الرصيف المقابل للمقهى الذي اعتدت ارتياده مع أصدقائي، أراقب انعكاس الأضواء على الأرض المبللة، وأحاول أن أستوعب ما حدث خلال الساعات الماضية.

كانت الرسالة الأخيرة على هاتفي تلمع كطعنةٍ باردة:

"انتهى الأمر، لا تتصل بي مجددًا."

كانت تلك من ليلى، المرأة التي ظننتها حب حياتي، قبل أن أكتشف أنها كانت جزءًا من خديعةٍ أنهت سنواتٍ من أحلامي.
كل شيء انهار حين علمت أن شركتي — التي بنيتها بيدي — بيعت من وراء ظهري.
والأدهى أن الذي خانني لم يكن غريبًا... بل شريكي وأقرب أصدقائي: كريم.

في تلك الليلة، نظرت إلى نفسي في المرآة وسألتها بصوتٍ مبحوح:

"كيف وصلت إلى هنا؟"

أجابني صدى قلبي:

"لأنك صدّقت الجميع، ونسيت نفسك."

كانت تلك بداية النهاية... أو ربما، بداية البداية.


الجزء الثاني: البدايات التي لم يفهمها أحد

كنت شابًا في الثالثة والعشرين، حديث التخرج، أمتلك طموحًا أكبر من جيبي، وأحلامًا أكبر من مدينتي.
بدأت من غرفةٍ صغيرة فوق بيتٍ قديم، وجهازٍ مستعمل اشتريته بأموال عملٍ مؤقت.
كنت أعمل نهارًا وأحلم ليلًا.

تعرفت على كريم، زميل في دورة تقنية، ذكي ولبق.
تحول اللقاء إلى صداقة، ثم إلى شراكة.
كنت أملك الشغف، وهو يملك العلاقات.
معًا حلمنا أن نصنع المستحيل.

ثم جاءت ليلى — فتاة طموحة، واقعية إلى حدٍ مؤلم.
كنت أحبها بصدق، وكانت تبتسم وتقول بخبثٍ لطيف:

"إذا انتظرت النجاح، ربما لن نفرح أبدًا، يا حالم."

لم أكن أعلم أن تلك الجملة نبوءة قاسية.

تعبنا كثيرًا، فشلنا أكثر، لكننا لم نستسلم... حتى جاء اليوم الذي بدا أنه "الفرصة الكبرى".
مستثمر جديد عرض علينا دعمًا ماليًا.
لم أكن أعلم أن هذا العرض كان فخًا...
وأن كريم، شريكي، كان جزءًا من اللعبة.

وفي لحظةٍ واحدة، ضاع كل شيء.
الشركة بيعت، الاسم اختفى، والحلم تحوّل إلى ذكرى.
أما ليلى؟
كانت الجسر الذي عبروا منه إليّ.
خانتني باسم الحب... وغابت باسم المصلحة.


الجزء الثالث: من تحت الرماد

استيقظت في صباحٍ خالٍ من كل شيء.
لكنني قررت ألا أموت وأنا أتنفس.
استأجرت غرفةً صغيرة، وعملت في محلٍ لتصليح الحواسيب عند رجلٍ طيب يُدعى الحاج سالم.
كان يقول لي دائمًا:

"ارجع حلمك، بس لا تعيده بنفس الوجع."

وفي ليالي الوحدة، كنت أفتح حاسوبي القديم وأراجع ما تبقّى من حلمي.
كنت أقول لنفسي:

"إن كانوا سرقوا فكرتي، فلن يسرقوا عقلي."

بدأت من جديد.
مشروع صغير، ثم مشروعان... حتى بدأت الطلبات تتزايد.
وبينما أعمل بصمت، وصلني بريد إلكتروني غيّر حياتي:

"فرصة للعمل الحر في الخارج."

أرسلت سيرتي، فقبلوني.
عملت معهم بجد، وتعلّمت من كل خطوة.
بعد عام، افتتحت شركتي الجديدة وسميتها:

Phoenix — طائر العنقاء.
لأنني كنت مثله، وُلدت من رمادي.

لكن ذات صباح، رن الهاتف... وكان الرقم كريم.


الجزء الرابع: المواجهة

التقينا في المقهى الذي بدأنا فيه الحلم ذات يوم.
جلس أمامي وجهٌ أعرفه جيدًا، لكن الزمن سرق منه نوره.
قال بصوتٍ متردد:

"آدم... ما جيتش أبرر. جيت أقول الحقيقة."

روى لي أن المستثمر لم يكن بريئًا، بل كان واجهة لمجموعةٍ كبرى أرادت تدمير الشركات الصغيرة.
هددوه، فخانني خوفًا.
لكنه لم يكن وحده في الخديعة.

ثم قال ببطءٍ مؤلم:

"ليلى ماتت، يا آدم. تركت لك رسالة."

فتحت الرسالة بعد تردد، وكانت كلماتها كالسكين والبلسم معًا:

"آدم،
سامحني. اقتربت منك خوفًا، لا طمعًا.
لكني أحببتك حقًا.
حين سقطت، سقط قلبي معك.
كنت أتمنى أن أراك كما حلمت دائمًا: ناجحًا، قويًا، حرًا."

سقطت الورقة من يدي، وشعرت أنني أخيرًا حررت قلبي من الماضي.
في اليوم التالي، قلت لكريم بهدوء:

"ما سامحتك علشانك... سامحتك علشاني. لأن الحقد أثقل من أي خسارة."

ومن تلك اللحظة، شعرت أنني أمتلك نفسي حقًا لأول مرة.


الجزء الخامس: النور بعد العاصفة

مرّ الوقت، وكبرت شركتي.
صرت أوظّف عشرات الشباب الحالمين.
كنت أرى فيهم نفسي، وأقول لهم دائمًا:

"الفشل مش نهاية الطريق... هو بداية النجاح الحقيقي."

وفي أحد الأيام، دخل إلى مكتبي المستثمر القديم نفسه.
قال بابتسامةٍ مصطنعة:

"نريد التعاون معك، نراك عقلًا استثنائيًا."
أجبته بثقةٍ هادئة:
"أنا لا أعمل مع من يبيع الحلم مقابل المصلحة.
لكن أشكرك... لأنك كنت السبب في أن أنهض من جديد."

كانت تلك لحظة الانتصار الحقيقية.
ليست انتصار المال، بل انتصار الروح.

في المساء، أقامت الشركة احتفالها السنوي.
وقفت أمام الموظفين وقلت:

"كنت شابًا فقد كل شيء — الأصدقاء، الحب، الحلم.
ظننت أن الحياة انتهت.
لكنها كانت تبدأ من هناك بالضبط.
لأن الانكسار علّمني كيف أنهض.
والقدر، مهما بدا قاسيًا، لا يكتب إلا ما يقودنا إلى حقيقتنا."

ساد الصمت، ثم التصفيق.
ولأول مرة منذ سنوات، شعرت أنني وصلت إلى السلام.

نظرت إلى صورةٍ قديمة تجمعني بليلى وكريم،
ابتسمت، وقلت في نفسي:

"شكرًا لأنكم خذلتموني... لولاكم ما كنت لأقف اليوم."

رفعت رأسي إلى السماء وقلت:

"يا رب، شكرًا لأنك كسرتني لتبنيني من جديد."


الخاتمة

"حين خذلني الجميع... لم أمت.
بل وجدت نفسي.
وحين فقدت كل شيء... ربحت قلبي.
فالنجاح الحقيقي ليس أن تصل...
بل أن تنهض بعد أن تسقط، وتكمل الطريق، مرفوع الرأس، بقلبٍ نقيّ."


النهاية





تعليقات

المشاركات الشائعة