بنات الخيال، ،
تعريف✓
تحمل في طيّاتها التحدّي، الألم، الذكريات، والنهاية التي لا تبدو سهلة ؟
البداية✓
في قرية نائية محاطة بأشجار الصنوبر والجبال المتكسّرة، كانت تعيش فتاة تُدعى «ليلى». منذ نعومة أظافرها، تعلمت أن صمتها هو السلاح الوحيد الذي تملكه. فقد توفي والدها في حادثٍ بليغ، ووالدتها دخلت في حالة مِن الكآبة التي لم تُفلح معها كلّ محاولات الشفاء.
كبرت ليلى بسرعة، فاضطرّت وهي في الخامسة عشرة من عمرها أن تتولّى رعاية منزلٍ صغير وحقلٍ شبه مهجور، وتُعلّم أخاها الصغير – آدم – كيف يُمسك الزرع ويُسقيه، رغم أن أنين الأرض والمطر المُتهالك كانا يُذكّرانها بأنّ الحياة هنا كانت تُری أبشع من مجرد كفاح.
التحدّي
في إحدى السنوات الجافة، جفّت ينابيع القرية، وبدأ الحقل يتراجع، وأضحى الأخ الصغير آدم يُعبّر عن غضبه في صوته الصغير حينما رأى أن الزرع لا ينبت، وأن المطر لا يأتي. كانت ليلى تشعر بالغضب أيضاً، لكنّها أخفت ذلك تحت طيّات من الصبر، تُخبر نفسها أنّها لا يحقّ لها أن تنهار، فالمسؤوليات أقوى من أن تُترك دون من يُمسكها.
وذات مساء، جاء رجلٌ غريبٌ إلى القرية، يعرض شراء الحقل مقابل مبلغٍ ضخم. شعروا بفرحةٍ مؤقّتة، لكن قلب ليلىَ تملّكه شكّ. ماذا لو باعوا الحقل؟ ماذا لو ذَهَب البيت؟ لكنّ والدتها كانت عاجزة، وآدم صار يكبر، واحتاج إلى فرصٍ أكبر من هذه القرية الضائعة.
الانطلاق نحو المدينة
وافقت ليلى أخيراً على بيع الحقل، ومنذ تلك اللحظة انطلقت إلى المدينة الكبيرة برفقة أمها وآدم، يحلمون بحياةٍ جديدة. لكنّ المدينة لم تكن رحيمة. شقّاتٌ صغيرة، عملٌ مرهق، وأجورٌ زهيدة. ليلى تعمل بجدّ في مصنع صغير، وتعود إلى البيت منهكة، تحمل آلام أجسادها وآمالها المكسورة.
أمّها دخلت مستشفى نفسياً بعدما انهارت، وآدم وجد نفسه وحيداً بلا صديق، بدون أوقاتٍ للعب، فقط لمساعدتها للعمل والعودة.
ليلى كانت في داخِلها تنهشها الذكريات: الحقل الخصب، الريح التي كانت تلفّ الأشجار في القرية، ماء ينهمر بعد الصيف الطويل… كلها تبدّلت.
القسوة والخيبة
مرّت سنوات قليلة، ولكنّ تراكم التعب بدا في عيني ليلى. فقد تعرضت لحادثٍ في الطريق أثناء العودة من عملٍ ليلي، ما أضرّ بقدمها وجعلها عاجزة عن الحركة لفترة. تكالفت الديون، ورأت أخاها آدم يسقط في دراسته، إذ اضطرّ للعمل ليلاً بدلاً منها. أمّها كانت في المستشفى دائماً، لا تعرف متى تعود ومتى تبكي.
ليلى جلست يوماً في غرفتها — غرفة ضيقة بلا نوافذ — تتأمل صورة والدها القديمة وأسألته في سرّها: «هل هذا ما كنت تريده لي؟ صورة وأنا أعمل حتى الثمالة؟ صورة وأنا أضع رأسي على الطاولة بعد تعبٍ لا ينتهي؟». لكنّ الصورة لم تُجب.
الصمود والنور الخافت
ومع كلّ ذلك، لم تستسلم ليلى. بدأت تعلّم نفسها بشكلٍ مسائي، تحفظ كلمات، تطوّر قدراتها، وتتعلّم كيف تستخدم الإنترنت وكيف تبدأ مشروعاً صغيراً من المنزل لصناعة الحُليّ اليدوية التي طالما علمتها والدتها في القرية. بدأت تبيع على الشبكة، وتأخُذ يومًا بعد يوم.
عثرت على ناشطة تدير ورشاً صغيرة، وقدمت عرضاً للعمل معها. تأقلمت ليلى، وبدأت الرؤية تظهر في الأفق: ربما ليس الحقل، ولا المدينة الكبيرة، بل مشروعٌ بسيط يمكن أن تُحوّله إلى شيءٍ يستحقّ. ما زالت الجبال والمطر والخوف من الفشل يلاحقونها، لكن كانت هناك قوةٌ جديدة تُضيء في داخلها: «أنا أَسير… رغم الألم».
النهاية المفتوحة
بعد سنوات، نجحت ليلى — ليس بشكلٍ ضخم، لكن بشكلٍ معقول. المشروع أصبح يكفي لإعالة أسرتها، ربما لتوفير رحلة قصيرة للأمّ، وربما دعم دراسة آدم لينا، أو فتح ورشة صغيرة في القرية ذاتها. لكنها لم تنسَ الحقل، ولا المدينة، ولا كل اللي حلم بأنّ الحياة ستكون «سهلة».
جلست ذات مساء، أمام نافذةٍ صغيرة، تأمّلت النجوم، وخاطبت والدها في سرّها: «لقد كنتَ معي… حتى عندما كنت لا أراه». ثم أغلقت دفترها، وأطفأت المصباح، واستعدّت ليومٍ جديد… يومٍ طويل وصعب، لكن باستطاعة ليلى أن تنظر إليه بابتسامةٍ خافتة.




تعليقات
إرسال تعليق