✦ حين ركض المجنون خلف النار

 

✦ 



✧ المقدمة

في حياة كل إنسان لحظة يقف فيها أمام مفترق طريقين:
طريق آمن… لا يُصدم فيه ولا يُنتقد،
وطريق آخر مليء بالجنون والأفكار غير المنطقية والجهد الذي لا يراه أحد.

هذا المقال يحكي قصة شخص اختار الطريق الثاني…
قصة عن الجنون، المحن، والإنجاز.
قصة إنسان لم ينتظر الفرص… بل خلقها.


✧ البداية: الشرارة التي لم تُطفأ

كان سليم مجرد عامل بسيط في مصنع صغير، يكسوه الزيت والرائحة الثقيلة للآلات.
لكنه كان يحمل في داخله فكرة مشتعلة لا تشبه مكانه ولا واقعه.

"سأصنع جهازًا صغيرًا يطفئ الحرائق قبل أن تلتهم حياة الناس."

لم يفهم أحد لماذا يريد فعل ذلك.
بالنسبة لهم، كان هذا جنونًا.
أما بالنسبة له، فكان هذا معنى الوجود.

عندما طلب إجازة لتطوير فكرته، ضحك مديره وقال:

"لا تحرق المصنع بأفكارك المجنونة!"

لكن سليم لم ينتظر موافقة أحد.
خرج… وهو يحمل حلمًا أكبر من كل السخرية التي تلقاها.


✧ مختبر فوق السطح

استأجر سليم سطحًا قديمًا فوق بناية مهجورة.
لم يكن المكان مجهزًا للعمل، لكنه رأى فيه مساحة حرة لحلمه.

باع هاتفه…
باع فراشه…
وربما باع راحته أيضًا.

نام على الأرض، وعاش على الخبز والماء.
وكل ليلة، كان يضع الحديد تحت المطرقة وكأنه يصنع قلبًا جديدًا لنفسه.

الجيران كانوا يتهامسون:

"سيوقع السطح فوق رؤوسنا!"
"هذا الولد مجنون رسمي!"

ومع كل كلمة سخرية… كان إصراره يشتعل أكثر.


✧  النار التي كسرت كل شيء

بعد أشهر من العمل المتواصل، اكتمل النموذج الأول للجهاز.
وفي ليلة عاصفة، قرر سليم اختباره.

ضغط الزر…

انفجار.
النار اشتعلت على السطح.
احترق الجهاز… واحترقت معه يدا سليم.

كان واقفًا وسط الدخان، يحدق في حلمه المكسور، بينما الأصوات تعلو من الأسفل:

"قلنا لكم إنه مجنون!"

جلس على الأرض، وجهه مغطى بالرماد.
لأول مرة، سمح للدموع بأن تسقط.

"رباه… لماذا تعطني حلمًا لا يشبه عالمي؟"

وفي لحظة انكسار، وصل إشعار على هاتفه الصغير:

"المحن لا تأتي لتكسرنا… بل لتكشف من نحن حقًا."

تلك الجملة أعادت إشعال النار داخله…
النار التي لا تُطفأ بالماء.


✧  ولادة الضوء

عاد سليم في اليوم التالي، يداها ملفوفتان بالشاش، وصوته ثابت.
بدأ من الصفر… كأن الانفجار لم يحدث من قبل.

بدّل التصميم، عدّل الصمامات، ابتكر نظام ضغط جديد.
كان الحديد يلمع تحت المطرقة، وكأن كل ضربة تطرد السخرية من رأسه.

وحين اكتمل الجهاز مرة أخرى…
لم يحتفل.

أشعل نارًا صغيرة على السطح، ورمى الجهاز وسطها.

في ثوانٍ…

اختفت النار.

وقف ثابتًا، والريح تعصف بشعره، وابتسامة صامتة على شفتيه:

"اليوم لم أنتصر على النار، بل على خوفي."


✧ النهاية… التي صدمت الجميع

نشر صديقه فيديو التجربة على الإنترنت.
خلال ساعات… أصبح حديث الناس.

صحف تتحدث عنه.
شركات تتصل به.
وبرامج تلفزيونية تطلب لقاءه.

وحين عاد إلى المصنع بعد فترة، وقف نفس المدير أمامه مذهولًا.

ابتسم سليم وقال ببساطة:

"أحيانًا… الجنون هو الطريقة الوحيدة للهروب من العادي."

ثم مشى… تاركًا كل الأصوات خلفه.


✧ الخلاصة

سليم لم ينجح لأنه كان عبقريًا…
بل لأنه كان مجنونًا بما يكفي ليحلم، وعنيدًا بما يكفي ليستمر.

الحياة لا تكافئ من يفكر كثيرًا… بل من يجرؤ.

تعليقات

المشاركات الشائعة