"حين قررتُ أن أعود إلى نفسي"

 



✦ 

(قصة تنمية ذاتية طويلة)

لم تكن البداية في يوم عادي.
كانت البداية في أسوأ يوم مررت به.

كنت جالسًا على أرض المطبخ، ظهري مسندٌ إلى الخزائن الباردة، أحاول أن ألتقط أنفاسي بينما يتردد في رأسي صوت واحد:

"لا شيء يسير كما يجب."

في ذلك اليوم تحديدًا، فقدت عملي، وتشاجرت مع أقرب صديق لي، وعدت إلى البيت وأنا أشعر بأن العالم قرر أن يضع عليّ جميع الأوزان دفعة واحدة. لم يكن لدي طاقة للوقوف، فقط نظرت إلى الأرض، شعرت أني الخاسر الأكبر في هذه الحياة.

أمسكت هاتفي، ورأيت رسالة من أمي:

"لا تنسَ أن تُحب نفسك حتى عندما لا يفعل ذلك أحد آخر."

كانت الرسالة قصيرة، لكنها هزت شيئًا عميقًا بداخلي.
سألت نفسي: متى كانت آخر مرة أحببت فيها نفسي؟

وكالعادة، لم أجد إجابة.


✦ السقوط

في الأيام التالية، كنت أستيقظ بلا هدف.
أفتح الحاسوب لأبحث عن عمل، أُغلقه بعد دقائق.
أجلس أمام المرايا أتجنب النظر في عينيّ وكأنني لا أريد الاعتراف بما يحدث.

بدأت ألاحظ أني لا أفشل فقط…
بل أستسلم.

وفي إحدى الليالي، وأنا أتصفح مواقع التوظيف بلا معنى، صادفت إعلانًا لدورة مجانية بعنوان:

"كيف تعيد تصميم حياتك؟"

كلمة تعيد شدّتني.
هل يمكن إعادة تصميم الحياة فعلاً؟
خفت من الفشل حتى في دورة مجانية، لكنني سجّلت.

وفي اليوم الأول، قال المدرب جملة لم أنسها:

"أنت لا تحتاج أن تغيّر العالم… أنت فقط تحتاج أن تغيّر نفسك أمام العالم."

توقفت الجملة داخل رأسي كحادث مفاجئ.
هل كل شيء يبدأ بي؟
هل أستطيع أن أغير حياتي بقرار واحد؟

في ذلك اليوم كتبت:
"لن أبحث عن حياة أفضل… سأخلق حياة أفضل."


✦ القرار

قررت أن أبدأ من أكثر مكان يؤلمني:
نظرتي إلى نفسي.

اشتريت دفترًا، وكتبت أول صفحة:

هذه ليست يوميات… هذه إعادة بناء.

في الصفحة الثانية، كتبت أهم سؤال:

"من أنا؟"

لم أقدر على الإجابة.
فكتبت شيئًا واحدًا:

"أنا شخص يحاول."

في اليوم التالي، وضعت ثلاثة التزامات بسيطة:

  1. أن أستيقظ في نفس الوقت كل يوم.

  2. أن أمشي لمدة 20 دقيقة مهما حدث.

  3. أن أكتب شعورًا واحدًا بصدق في الدفتر.

لم تكن معجزات، لكنها كانت بداية.

بدأت أمشي كل صباح، أراقب الشمس ترتفع كأنها تقول لي:
ما زال بإمكانك البدء من جديد.


✦ المواجهة

أصعب معاركنا ليست مع الناس…
إنها مع الأصوات داخل رؤوسنا.

كنت أسمع صوتًا يهمس كلما حاولت التغيير:

"لن تنجح، أنت لست ذلك الشخص."

وفي أحد الأيام، بينما أمشي في الحديقة، رأيت طفلاً صغيرًا يحاول تعلم ركوب الدراجة.
سقط مرة… مرتين… ثلاثًا.
والأب بجانبه يقول بابتسامة:

"حاول مرة أخرى."

وقفت.
لم تكن مجرد لحظة عابرة.
كانت رسالة.

لماذا أسمح لنفسي أن أستسلم من أول سقوط، بينما طفل لا يتجاوز السادسة يستمر في المحاولة؟

عدت إلى المنزل وكتبت في دفتري:

"أنا أيضًا سأحاول مرة أخرى."


✦ التغيير الداخلي

بدأت أتغير دون أن أشعر.

استيقاظي أصبح أسهل.
المشي أصبح أطول.
الكتابة أصبحت أعمق.

لم أعد أكتب فقط ما يحدث في يومي، بل ما يحدث داخلي.

كتبت أشياء مثل:

  • "اليوم سامحت نفسي."

  • "اليوم قاومت فكرة الهروب."

  • "اليوم لم أقارن نفسي بأحد."

كنت ألاحظ تقدمي بصمت.
لا أحد يصفّق لي، ولا أحد يشعر بإنجازاتي الصغيرة…
لكنني كنت أشعر بها.

وفي أسبوع ما، تلقيت اتصالًا من شركة تقدمت إليها قبل فترة.
أجروا مقابلة.
بعدها مقابلة ثانية.

لكن الشيء المذهل لم يكن العمل نفسه…
بل كيف شعرت خلال المقابلة.

لم أكن خائفًا.
لم أكن أتظاهر.
كنت أنا.

بعد يومين، اتصلوا بي وقالوا:

"أنت الشخص الذي نبحث عنه."

ابتسمت، لكن بداخلي كانت مفاجأة أكبر:
لأول مرة، أشعر أنني أيضًا الشخص الذي كنت أبحث عنه.


✦  العودة إلى نفسي

بعد أشهر، عدت إلى المقعد نفسه في المطبخ حيث بكيت وأسقطت رأسي يومًا ما.
جلست، لكن ليس على الأرض.
جلست على الكرسي هذه المرة… مستقيمًا.

فتحت الدفتر وقرأت الصفحة الأولى:
"هذه ليست يوميات… هذه إعادة بناء."

ابتسمت.
أخذت القلم، وكتبت في آخر صفحة:

"لقد عدت.
لم أعد إلى العمل، ولا إلى الحياة الاجتماعية، ولا إلى الاستقرار…
عدت إلى نفسي.
وهذا أعظم نجاح حققته في حياتي."


✦ رسالة القصة

أحيانًا يظنّ الناس أن التغيير يبدأ عندما تتحسن الظروف…
لكن الحقيقة أنه يبدأ حين تتحسن أنت رغم الظروف.

أنت لست بحاجة إلى خطة عظيمة أو معجزة.
أنت بحاجة إلى خطوة.
خطوة صغيرة…
لكن نحوك أنت.

  • استيقظ في نفس الوقت.

  • اكتب مشاعرك بصدق.

  • امشِ عشرين دقيقة.

  • سامح نفسك.

لا تنتظر أن يؤمن بك أحد.
يكفي أن تؤمن أنت بنفسك.

التغيير الحقيقي لا يحدث عندما تصبح حياتك أفضل… بل عندما تصبح أنت أفضل للحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة