بين صمت الأب وابنته
🕯️ تعريف✓
هذه قصة اجتماعية مؤثرة وطويلة، تحكي عن أبٍ وابنته افترقا بالصمت لا بالمسافة، وعن حبٍّ عجزت الكلمات عن وصفه.
قصة تحمل بين سطورها وجع الندم ودفء العائلة، وتذكّرنا أن بعض القلوب لا تقول “أحبك”، لكنها تفعلها بطريقتها الخاصة.
اقرأها ببطء… فكل سطر فيها حكاية.
في حيّ قديمٍ على أطراف المدينة، يعيش سليم، رجل في الستين من عمره، متقاعد من عمله في البريد، اعتاد أن يبدأ يومه بكوب مشروب على شرفه المطلة على الأزقة الضيقة، حيث تمرّ الحياة ببطء كما لو كانت تحسب خطواتها.
منذ وفاة زوجته “نادية”، تغيّر كل شيء في بيته… حتى الصمت أصبح له صوت. لم يعد يسمع سوى أنين الساعة المعلقة على الحائط، ودقات قلبه التي تثقلها الندم.
كانت ابنته سلمى، شابة في الثانية والعشرين، طالبة جامعية تدرس الأدب، تعود إلى البيت كل مساء، تحمل في عينيها تعب الحياة التي لم تتعلم بعد كيف تكون رحيمة. العلاقة بينهما كانت كالغريبين تحت سقفٍ واحد — حوار مقطوع، كلمات مبتورة، كل منهما ينتظر الآخر ليبدأ الحديث، لكن الصمت كان ينتصر دائمًا.
لم تكن سلمى تفهم لماذا والدها دائم العبوس، ولا يعرف كيف يعبّر عن حبّه. كانت تظنه لا يهتم بها، بينما هو كان يخاف عليها أكثر مما يخاف من الموت نفسه.
كل مساء، كان يترك لها علبة حليب في الثلاجة، ويغلق الأنوار قبل أن تنام. لم يقل يومًا “أحبك يا ابنتي”، لكنه فعلها ألف مرة دون أن ينطق بها.
ذات مساءٍ ماطر، تأخرت سلمى عن البيت. الساعة تجاوزت العاشرة، و سليم يجلس قرب الباب، قلبه يدق كطبول الحرب. اتصل بها مرات كثيرة دون رد. حين فتحت الباب أخيرًا، دخلت بوجهٍ غاضب، وقالت دون أن تنظر إليه:
– “أبي، أنا لم أعد طفلة، كفى مراقبة كل خطوة!”
نظر إليها مطولًا، كأنه يسمع صوتًا يجرحه من الداخل، ثم قال بهدوء:
– “كنت فقط أخاف أن تتأخري.”
– “الخوف لا يُبنى على القيد يا أبي.”
ثم صعدت إلى غرفتها تاركة وراءها رجلاً تهشّم من صمته.
في تلك الليلة، جلس يكتب شيئًا على ورقة قديمة بخطٍّ متعب:
“يا سلمى، لم أتعلم الكلام، لكني كنت أحيا لأراك بخير. سامحيني على كل لحظة حبّ خبّأتها خلف وجعي.”
في الصباح، وجدته سلمى نائمًا على الكرسي… لكنّه لم يكن نائمًا، كان وجهه هادئًا كما لو استراح بعد معركة طويلة. على الطاولة، الورقة بجانبه، وكوب شاي لم يكتمل.
قرأت الرسالة، فانهارت تبكي بصوتٍ لم تسمعه الجدران من قبل. عرفت حينها أن بعض القلوب تحب في صمت، حتى آخر نبضة.
منذ ذلك اليوم، كتبت سلمى قصصًا عن الآباء الذين لا يعرفون كيف يقولون "أحبك"، لكنها كانت تؤمن أن حبهم الحقيقي لا يُقال بالكلمات، بل بالصمت، بالصبر، وبالخوف الجميل الذي لا ينطفئ.
✨ خاتمة:
هناك قلوب لا تجيد التعبير… لكنها تحبك بطريقةٍ لا يفهمها العالم.
في صمت الأب، رسالة لا تُكتب: “كل ما أريده أن تكون بخير.”



تعليقات
إرسال تعليق