🌟 عندما نهض البطل من الرماد
في حي صغير على أطراف مدينة مزدحمة، عاش “سيف” شاب بسيط يشتغل في ورشة حدادة صغيرة. صوت المطرقة كان موسيقى يومه، ورائحة الحديد المحمّى تلتصق بثيابه حتى خارج الدوام. سيف لم يحصل على فرص كثيرة في حياته، لكنه ورث عن أبيه ثلاث أشياء: قلب صلب، ابتسامة ما تستسلم، وخوف خفي من الفشل.
كل يوم يرجع البيت مرهق من الشغل، لكنه يرجع وفي داخله حلم صغير يضوي مثل جمرة: أن يصنع ورشته الخاصة… ورشة تحط اسمه على واجهتها، لا اسم غيره.
لكن الحياة عادة عندها مزاج سيئ.
في ليلة شتوية قاسية، احترقت الورشة التي يعمل فيها بسبب تماس كهربائي. خسر سيف شغله الوحيدة، وصار بدون دخل. والأسوأ أن مالك الورشة اتهمه بالإهمال… رغم أنه كان آخر واحد يحمي المكان من أي خطأ. الأحلام الصغيرة تحترق أسرع من الخشب.
مرّت أيام ثقيلة، كالحديد قبل الصهر. الناس تشوفه بالشارع وتهمس. حتى من كانوا يضحكون معه صاروا يبتعدون. الوحدة لها طعم مر يعرفه جيدًا كل من وقف وحده أمام الدنيا.
في يوم، بينما كان يتمشى بلا هدف، وقف أمام محل قديم مغلق منذ سنوات. الباب صدئ والواجهة مكسورة… لكن عين سيف لم تر الخراب، شاف شيئًا ثاني: بداية ممكنة. لم ينتظر. راح لأصحاب العقار، تفاوض، خسر كل ما ادّخره في حياته، وحتى اقترض. ما كان عنده ضمانة غير إيمانه بنفسه.
بدأ يشتغل.
ينظف
يرمم
يطلي
ويعيد تشكيل الحياة من جديد
كان يعمل من الفجر حتى الفجر. الناس مرّت أمام محله وهي تضحك:
"وش بيسوّي؟ حداد؟ في هذا المكان؟ مستحيل ينجح!"
لكن سيف ما كان يسمع. الحديد فقط يلين بالنار والصبر… وهو كذلك.
الافتتاح جاء بعد شهور. يومها فتح الباب والعرق على جبينه يلمع كأنه ذهب. أول زبون دخل بخطوات مترددة… ثم صاروا اثنين وثلاثة وعشرة. سيف لم يكن يصلح الحديد فقط، كان يصلح الثقة التي انكسرت فيه. كل قطعة يصنعها هي جزء منه يعود للحياة.
بعد سنة، صارت ورشة “الرمّـاح” معروفة في المدينة. نفس الناس اللي شكوا فيه صاروا يشيدون بمهارته. والمفاجأة الأكبر أن مالك الورشة القديمة، اللي طرده واتهمه، جاء يطلب منه شغل لبيته الجديد.
سيف مسك الطلب ونظر للورقة بهدوء.
ابتسم ابتسامة رجل أدرك قيمته.
وقال:
"أكيد… شغلي دائمًا مفتوح للي يؤمن بالثقة الجديدة."
لم ينتصر على أحد.
انتصاره الحقيقي كان على نفسه القديمة.
سيف لم يعد ذلك الشاب الذي يخاف الفشل، بل أصبح مثالًا حيًا أن النار مهما أحرقت… تخلق صلبٌ أقوى.



تعليقات
إرسال تعليق