ظلال أومبرا – الجزء الرابع: الظل الذي يبتسم
حين غمر الظلام المدينة من جديد، سقطت إليرا على ركبتيها.
كانت تشعر بأن الأرض تحتها تنبض، كأن شيئًا ضخمًا يتنفس من تحت القشرة السوداء.
رفعت رأسها فرأت الظل —
طويل القامة، بلا ملامح، لكن عينيه تلمعان بلونٍ ذهبيٍّ غريب، كأنهما شمسٌ مسمومة.
قال بصوتٍ هادئٍ ومليءٍ بالثقة:
"أخيرًا... عادت صاحبة الدمّ إلى جسدها.
لكنك نسيتِ من كنتِ حقًا، يا إليرا."
تراجعت خطوة وهي تحاول أن تستجمع قواها:
"من أنت؟"
ضحك الظلّ، ضحكة جعلت الهواء يرتجف:
"أنا أولُ مَن خُلق من رمادك. أنا الظلّ الأول، صورتك حين سقط النور من السماء.
كنتِ الإلهة الثامنة، سيّدة الضوء، وأنا ظلكِ الذي أُبعد عنك… لأني أحببتُ الظلال أكثر من النور."
في تلك اللحظة، فهمت إليرا الحقيقة القاسية:
الظلال التي كانت تراها في أحلامها لم تكن تحاول تدميرها،
بل كانت تحاول أن تعود إليها — لأنّها هي خالقتهم.
قالت له بصوتٍ مكسور:
"كل ما حدث… كل الخراب، كل هذا الرماد… سببه أنا؟"
أجاب الظلّ بابتسامةٍ لا تُرى لكن تُحَسّ:
"ليس خطأكِ… بل طبيعتكِ. النور لا يستطيع العيش دون ظلّ.
لكنك حاولتِ أن تقتليني… فقتلتِ نصف العالم."
تقدّم منها، وكل خطوةٍ منه تُطفئ ما حوله من نور.
"الحارس لم يكن عدوّك… كان سجنًا لي.
وحين أيقظتِه، أطلقتِ سراحي."
صرخت إليرا، فاشتعلت عيناها بالنور الأزرق من جديد، وارتفعت حولها دوائر الضوء القديمة.
لكن الظلّ رفع يده، ولامس جبهتها برفقٍ عجيب،
فانطفأ كل شيء، وبقي صوتُه فقط:
"لا تقاومي ما أنتِ عليه. العالم يحتاج ظلاله."
وفي اللحظة التالية، انفجرت القبة من جديد.
النور والظلام اختلطا في دوّامة هائلة غطّت أومبرا كلها.
السماء احمرّت، والبحار صارت مرايا سوداء.
وسمع كل مَن في نيراس النداء ذاته:
"لقد بدأت دورة الرماد الجديدة..."
ثم خيّم الصمت.
وفي وسط المدينة، وُجدت إليرا جاثية، نصف جسدها من لحم، والنصف الآخر من ظلٍّ حيٍّ يتحرّك ببطء.
لم تَعُد بشرية، ولا إلهة.
بل شيئًا بينهما.
شيئًا لم يُولد من قبل.



تعليقات
إرسال تعليق