"مدينة الحروف المنسية

 



في زاوية بعيدة من الزمن، وراء الضباب الكثيف الذي لا يعرف له أحد بداية أو نهاية، وُجدت مدينة لا تُرَى إلا لمن يؤمن بقوة الكلمات. كانت تُدعى مدينة الحروف المنسية.

يُقال إن كل قصة لم تكتمل، وكل حلم لم يُكتب، يجد طريقه إلى هناك، ليحيا في انتظار من يُعيد إليه الحياة بالحبر والورق.


كانت ليان فتاةً تعيش على أطراف مدينة صاخبة، لا تجد راحتها إلا بين الكتب. لم تكن تقرأ لمجرد القراءة، بل لأنها تشعر أن بين السطور أرواحًا حقيقية تناديها. ذات ليلة، وبينما كانت تقلب صفحات رواية قديمة وجدت على غلافها الداخلي عبارة غريبة بخطٍ باهت:


“من يكتب الحلم الأخير، يفتح باب الحكاية الأولى.”


في تلك اللحظة، ارتجف القلم بين أصابعها، وسقطت قطرة حبر على الورقة، لتتحول فجأة إلى دائرة من نور ابتلعتها برفق…

استيقظت لتجد نفسها واقفة على جسرٍ من الكلمات المضيئة، يمتد فوق بحرٍ من الصفحات البيضاء، وكل موجة فيه تنبض بحروف تتشكل وتذوب.


“مرحبًا بك في عالمٍ تصنعه الكلمات وتزيّنه الأحلام…”

هكذا همست لها الريح، بصوتٍ بدا مألوفًا، كأنه صدى من داخلها.


في المدينة، التقت بكيانات غريبة: شاعر فقد قافيته يبحث عنها في الرياح، ورسام يرسم بالعواطف لا بالألوان، وطفلة تجمع الحروف المتساقطة لتبني منها قصورًا من الضوء.

لكن شيئًا واحدًا كان يزعج ليان: في وسط المدينة، برجٌ عالٍ من الكتب، مغلقٌ بسلاسل سوداء، وكل من يقترب منه يسمع نداءً خافتًا يهمس باسمه…


تعليقات

المشاركات الشائعة