🕵️♀️ امرأة بلا ماضٍ
تعريف✓
في مدينة لا تعرف الوجوه الثابتة، تستيقظ امرأة عند فجر يوم بارد على مقعد في شارع شبه خالٍ. عيناها تبحثان في الهواء عن أي ذكرى، اسم، صوت، وجع… لكن الفراغ يجيبها في كل مرة. لا تحمل معها سوى معطف باهت وجيبٍ فيه مفتاح بلا باب. كأنها وُلدت للتو، لكن تعابير الخوف في ملامحها تقول شيئًا مختلفًا.
البداية✓
عندما عثرت الشرطة على شابة قرب محطة القطار، كانت مغطاة بالتراب وملابسها ممزقة. أكثر ما أربك رجال الأمن أنها كانت تحدّق فيهم دون أي تعبير، كأنها فقدت العلاقة مع الواقع. حين سألوها عن اسمها… لم تجب. وحين طلبوا بطاقتها… لم تحمل شيئاً.
قالت بصوت خافت:
"لا أعرف… من أنا."
نُقلت إلى المستشفى تحت اسم رمزي: "جين دو". الطبيب النفسي الذي كُلّف بحالتها كان اسمه الدكتور سامر، رجل هادئ الملامح لكنه لا يهمل أي تفصيلة. لاحظ شيئاً غريباً: الشابة كانت تملك خريطة صغيرة مرسومة على يدها بخط باهت، دوائر مرتبطة بخطوط متقاطعة، وكأنها ترمز لمكان ما.
في تلك الليلة، دخل ضابط يدعى حسام إلى الغرفة. وضع صوراً على الطاولة أمامها. صور جثث مجهولة، مسرح جريمة، وشقة محترقة.
سألها:
"تعرفين أي شيء من هذا؟"
تنهّدت بعمق. ثم، هزّت رأسها بالنفي.
رغم فقدان الذاكرة، كانت الشابة تتصرف بحذر غير عادي. تراقب الأبواب، تنتبه للكاميرات، تحفظ وجوه الجميع. كأنها اعتادت الخطر.
ذات مساء، اقترب منها الدكتور سامر وسألها:
"هل تخافين من العودة؟"
ارتعشت يدها… ثم همست:
"أنا لست الضحية… أنا المفتاح."
قبل أن يستزيد بكلامها، انطفأت الأنوار فجأة في المستشفى. انطلق إنذار حريق وهمي. رجال مجهولون اقتحموا الطابق، واتجهوا مباشرة إلى غرفتها. لم يكونوا يبحثون عن مريض آخر.
الشابة تحركت بسرعة مذهلة. قفزت من السرير، رمت إحدى الطاولات لتغلق الممر، وسحبت يد الدكتور سامر:
"اسمعني… إذا قبضوا علي الآن… لن ينجو أحد!"
هربا عبر درج الطوارئ حتى وصلا لمخرج خلفي. حين وصلت الشرطة لاحقاً، وجدوا آثار اشتباك ورقم صغير محفور على الحائط:
17
في الطريق، سألها سامر:
"ما قصة هؤلاء؟"
صمتت لثوانٍ ثم قالت:
"أنا كنت جزءاً من منظمة سرية. نخطف أشخاصاً لهم معلومات خطيرة… ونمسح ذاكرتهم. أنا كنت أحذف حياة الناس… والآن… مسحوا حياتي."
الرقم 17 كان آخر ملف عملت عليه قبل أن تقرر الهرب.
قادته إلى مبنى مهجور. كان مظلماً وبارداً. على الجدران خرائط وصور وجداول، وفي المنتصف… غرفة زجاجية، بداخلها كرسي معدني ومعدات حقن وأجهزة صادمة.
وقفت أمام الزجاج والدموع في عينيها:
"كنت أجلس الناس هنا… وأعيد كتابتهم. والآن… جاء دوري."
على الطاولة حاسوب قديم. فتحته. ظهر ملف باسم:
Subject 17 — حسام الدليمي
تذكرت فجأة… الضابط حسام نفسه كان مشروع الضحية التالية. المنظمة لم تكن تبحث عنها فقط… كانوا يريدون إسكات كل من يقترب من الحقيقة.
استدار سامر إلى الوراء يبحث عن حسام… لكنه لم يكن هناك. سمع حركة خلفه.
رأى ظل رجل يقف عند الباب حاملاً مسدساً… حسام.
قال بصوت بارد:
"أخيراً وجدتكِ."
الشابة حاولت الهرب، لكن سامر وقف أمامها.
صرخ: "هي ليست مجرمة! بل شاهدة!"
حسام تقدّم خطوة:
"هي تعرف الكثير… لذلك يجب أن تختفي."
رفع مسدسه وسدده إليها.
لحظة صراخ مكتوم… رصاصة واحدة…
اصطدمت بالزجاج وتشرخ ولكن لا تسقط.
الضوء الأحمر يملأ الغرفة.
صفارات إنذار.
خطوات تتسارع.
اختفت الشابة.
لم يبق سوى ضباب بارد وكلمات على الجدار:
ذاكرتي ملكي… ماضيّ ليس سجناً… الحقيقة بدأت الآن.
الدكتور سامر يقف مذهولاً.
الشرطة تداهم المكان.
ضابطهم الأعلى يقترب منه ويسأل:
"أين المرأة؟"
سامر ينظر للفراغ ويتمتم:
"هي لم تكن بلا ماضٍ… نحن فقط لم نستطع تحمّل الحقيقة."
وفي زاوية الحاسوب، رسالة ظهرت وحدها:
الملف 18… الدكتور سامر.
قد تتكرر القصة… وقد تكون الآن بدايتها.



تعليقات
إرسال تعليق