تعريف✓
ليس بيتاً عادياً فتهرب منه الأرواح بعد رحيل أصحابه، بل لعنة من حجر وخشب ما زالت تتنفس داخل الظلال. باب ضخم يرفض أن يُفتح لأحد… ويُفتح وحده لمن يريد هو. نافذته ليست لترى الخارج، بل لتراقب الداخل وتحصي أنفاس من يقترب. أسواره لا تحمي من في الداخل، بل تحبسهم. كل شقّ في جدرانه يحمل ذكريات أشخاص لم يجدوا المخرج.
الوقت يتجمّد عند عتبته. الهواء يبرد فور أن تخطو نحوه. أصوات خافتة تنبعث من الجدران كأنها حكايات مشوهة تريد أن تُروى. والظلال عند بابه ليست ظلال أشياء… بل ظلال من كانوا هنا ولم يعودوا.
ذلك البيت لا ينتظر زائرين
ذلك البيت يختار فرائسه
وبابه… لا يُفتح أبداً للهاربين.
البداية✓
في ضاحية نائية، عند نهاية طريق ترابي تحاصره أشجار ضخمة كأيدي ملتوية، يقف بيت حجري مهجور يسمونه الناس بيت الصرخات. إشاعات كثيرة تدور حوله. البعض يقول إن العائلة التي عاشت فيه اختفت في ليلة واحدة. آخرون يقولون إنهم لم يكونوا بشراً من الأساس.
سامي شاب يعشق الخطر والقصص الغريبة. جلس مع أصدقائه ذات ليلة قرب النار يتهامسون عن البيت. تحداهم وقال بثقة مغرورة:
"سأدخل البيت غداً ولو لدقيقة".
ضحك الجميع باستثناء ياسين الذي بدا عليه الخوف. قال بصوت خافت:
"لا تعبث مع شيء لا يفهم البشر قواعده".
في اليوم التالي، توجه سامي إلى البيت عند الغروب. الهواء أبرد من المعتاد، كأن أحداً يزفر في وجهه. فتح البوابة الصدئة فأصدرت صرخة حادة كسرت هدوء المكان. الحديقة غارقة في العشب الوحشي والظلال الثقيلة. الباب الأمامي مغلق بقفل قديم، لكنه فتح بسهولة غريبة حين لمسه، وكأنه كان ينتظر زائراً جديداً.
داخل البيت رائحة العفن والغبار تخنق الأنفاس. الجدران مليئة بخدوش كأن أحداً حاول تمزيق المكان بأظافره. خطوات سامي تصدر صدى واضحاً. سمع وقع أقدام خلفه، التفت بسرعة ولم يجد شيئاً. حاول تجاهله وتقدم.
في غرفة المعيشة، وجد صورة عائلة معلقة. الأب يقف خلف طفلة صغيرة، لكن ملامح الطفلة مشوهة بالكامل، عيناها ممسوحتان.
همس خافت نزل من السقف:
"لماذا جئت؟"
قلبه اهتز. مع ذلك صعد الدرج، كل درجة توحي بأن البيت يتنفس ببطء. وقف أمام باب غرفة صغيرة. فتحه ببطء. سرير طفلة. عرائس ممزقة على الأرض. ودفتر صغير فوق السرير. فتحه:
"أبي جعلني أبقى هنا. قال إنني مختلفة."
"أسمع أصواتاً من الجدران. قال إنها أشخاص سيئون."
"لكنه هو الذي يؤذيني."
"الذي يفتح باب بيتي لن يعود أبداً."
في تلك اللحظة، أُغلق الباب بقوة وحده. ضحكات طفولية مشوهة أحاطت به. العرائس بدأت تتحرك. إحداها رفعت رأسها المقطوع ونطقت:
"اللعبة انتهت."
صرخ سامي واندفع تجاه الباب ففتحه بقوة جنونية. ركض نحو الخارج وهو يكاد يفقد وعيه. خرج. وقف. تنفس. ظن أنه نجا. حاول أن يراكض مبتعداً… لكن الشارع اختفى. الحي كله تلاشى. فقط أشجار ملتفة كأنها سجن.
خلفه ظهرت الطفلة بفستانها الأبيض الملطخ. شعرها يغطي نصف وجهها. عيناها ثقوب سوداء عميقة. صوتها مكسور لكنه واضح:
"أنت لعبتي الجديدة."
خطوات ثقيلة هبطت من داخل البيت. الأرض تهتز مع كل خطوة. الباب فتح كأنه يدعو سامي للدخول. الطفلة أشارت بصوت خافت:
"تعال… تحت البلاط الحقيقة."
الأرض انشقت تحت سامي وسقط في ممر ضيق مظلم. زحف بصعوبة حتى رأى ضوءاً ضعيفاً. باب حديدي صغير فتحه. غرفة سرية خلف الحيطان. رسومات على الجدران تصرخ بصمت:
"أبي قال إنني شيطان."
"لا أريد أن أؤذي أحداً."
"البيت لا يتركني."
"البيت يستيقظ حين ننام."
سرير صدئ في الزاوية، أصفاد، بقايا عظام صغيرة… ودمية تنظر إليه بعين زجاجية وحيدة.
الطفلة ظهرت فجأة خلفه وهمست:
"هو قادم… إن بقيت ستصبح مثلي."
ظل ضخم يقترب، وجهه بلا ملامح، مجرد فتحات سوداء، سلسلة ثقيلة في يده ترتطم بالأرض بصوت يمزق الهدوء. ركض سامي مثل من ولد من جديد. وجد باباً خشبياً مكتوباً عليه:
"لا تفتحه"
قال لنفسه:
"لا خيار."
فتح الباب… وفجأة سقط كل شيء في ظلام تام، صمت لا بداية له ولا نهاية.
صوت الطفلة يقترب وهمسها يلتف حول عقله:
"أنت الآن في بيتنا… والبيت لا يرضى برحيل ضيوفه."
الصرخات بدأت. الباب انغلق. والبيت ابتلع ضحيته الجديدة… كما يفعل دائماً.
تعليقات
إرسال تعليق